يعتبر متصفح جوجل كروم واحدًا من أكثر المتصفحات انتشارًا واستخدامًا على مستوى العالم، حيث يتميز بمجموعة من الميزات التي تعزز تجربة المستخدم في تصفح الإنترنت، يعتبر وضع التصفح الخفي في كروم من أهم الخصائص التي تميزه، يمكن هذا الوضع المستخدمين من تصفح الإنترنت بخصوصية أكبر حيث لا يتم الاحتفاظ بسجلات التصفح الخاصة بهم او ملفات تعريف الارتباط وكلمات المرور بمجرد إغلاق نافذة التصفح.
في عام 2020 رفعت دعوى قضائية ضد جوجل في الولايات المتحدة تتهمها بالاحتفاظ بسجلات وضع التصفح الخفي في كروم، ومنذ أيام قررت جوجل بشكل مفاجئ التخلص من المليارات من هذه السجلات، هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول مدى فعالية وضع التصفح الخفي في توفير خصوصية المستخدمين واثارت الشكوك حول مصداقية شركة جوجل، وقد جاءت هذه الخطوة كجزء من تسوية الدعوة القضائية المقامة ضدها في ولاية كاليفورنيا، اعتبر الكثيرين ان هذا الفعل يعد خيانة لثقة مستخدمين جوجل في جميع انحاء العالم.
بداية خاصية وضع التصفح الخفي في كروم
في عام 2005 تم إتاحة خاصية التصفح الخفي (Incognito Mode) للمرة الأولى في عالم المتصفحات، وكانت ضمن إصدار 2.0 من متصفح سفاري التابع لشركة آبل، وكانت هذه الخاصية بمثابة نقلة نوعية في تاريخ الخصوصية على الإنترنت، في ذلك الزمان الذي تميزت فيه بدايات عصر الإنترنت بغياب الوعي الكافي بأمور الخصوصية والأمان علي الشبكة العنكبوتية.
وبعد ثلاث سنوات فقط انضمت جوجل إلى هذا السباق من خلال إضافة خاصية التصفح الخفي إلى متصفحها الشهير جوجل كروم، الذي أصبح لاحقًا من أكثر المتصفحات انتشارًا واستخدامًا علي مستوي العالم.
منذ ذلك الحين، أصبحت خاصية التصفح الخفي متوفرة في جميع المتصفحات الرئيسية، وتعتبر حجر الزاوية في توفير بيئة آمنة ومحمية أثناء التصفح عبر الإنترنت، تقوم هذه الخاصية بمنع حفظ بيانات المستخدم، بما في ذلك سجلات التصفح وملفات تعريف الارتباط والمعلومات الشخصية التي يدخلها المستخدم على المواقع المختلفة.
وفقًا لشركة جوجل، فإن نافذة وضع التصفح الخفي في كروم تقوم بحذف جميع هذه البيانات بمجرد إغلاق النافذة، مما يعزز الشعور بالأمان والخصوصية لدى المستخدمين خلال تجربتهم على الإنترنت.
هل حقًا وضع التصفح الخفي في كروم أمن؟
وضع التصفح الخفي في كروم يمكن اعتباره كدرع أمان أثناء تصفح المواقع الشبكية التي بها ملفات خبيثة، حيث يتم استخدام بياناتك الشخصية في هجمات سيبرانية محتملة لذلك قد تكون هذه الخاصية ضرورية لحماية خصوصيتك أثناء تصفح المواقع المشبوهة وبشكل عام توفر هذه الخاصية حالة من الخصوصية خلال جلسة التصفح، حيث لا يمكن تتبع تاريخ تصفح المواقع خلال هذه الجلسة بأي شكل من الأشكال، على الأقل هذا ما تؤكده شركة جوجل بشكل واضح.
ومع ذلك يرى الكثيرون من خبراء الأمن السيبراني أن هذه الخاصية قد لا توفر تجربة خفية بشكل كامل، فهي لا تقوم بحذف بعض الآثار المؤقتة والبيانات في الذاكرة العشوائية، والتي يمكن استغلالها للوصول إلى بعض المعلومات حول جلسة التصفح الخفية وبالتالي لا يمكن اعتبارها بديلًا كاملًا عن التدابير الأمنية اللازمة عند تصفح الإنترنت، خاصة المواقع المشبوهة.
وما يثير المزيد من القلق، هو أن الشركات المطورة للمتصفحات قد تكون غير صادقة بخصوص خصوصية جلسات التصفح الخفية فقد ترسل المتصفحات بشكل سري معلومات عن جلسات وضع التصفح الخفي في كروم إلى الشركات، مما يعرض خصوصية المستخدمين للخطر خاصة في حالة وقوع خرق سحابي للبيانات.
رفع دعوي قضائية ضد شركة جوجل!
في مفاجأة كبرى، رفع عدد من مستخدمي جوجل كروم دعوى قضائية ضد الشركة في الولايات المتحدة عام 2020 اتهموها فيها بانتهاك اتفاق الخصوصية مع المستخدمين واحتفاظها بسجلات التصفح الخفية. هذا يضع جوجل في موقف محرج أمام ثقة مستخدميها، خاصة بعد تأكيدها المستمر على ضمان خصوصية وضع التصفح الخفي في كروم.
تزعم الدعوي بأن جوجل قامت بتتبع سجلات التصفح الخفية لمستخدمي متصفح جوجل كروم، بالإضافة إلى جمع بياناتهم عند تفعيل وضع التصفح الخفي، هذا الاتهام يشير إلى انتهاك واضح لتعهد جوجل بالحفاظ على خصوصية المستخدمين أثناء استخدام متصفحها الشهير جوجل كروم.
وتزداد الأمور تعقيدًا حيث تقول الدعوى إن ما فعلته جوجل يعتبر انتهاكًا لقانون حظر التنصت والتجسس الفيدرالي، فالدعوى تزعم أن جوجل استخدمت أساليب الخداع والاحتيال لإقناع المستخدمين بخصوصية زائفة، بهدف جمع بيانات وسجلات تصفحهم لمواقع الإنترنت.
وأضافت الدعوى أن جوجل اعتمدت على أدوات الويب البرمجية في مواقع مختلفة، واستخدمتها لاستخراج البيانات حتى عندما يكون المستخدم في وضع التصفح الخفي في كروم، مما يثير الشكوك حول مدى خصوصية جلسات التصفح الخفية في الواقع.
موقف جوجل من الدعوي القضائية يثير الشكوك!
في البداية، أصرت جوجل على رفض الاتهامات التي وُجهت إليها بكل حزم مؤكدة على التزامها التام بمعايير الخصوصية، وخلال ثلاث سنوات من النزاعات القضائية حاولت جوجل بشتى الوسائل استخدام ترسانتها القانونية لإنهاء هذه القضية، ومع ذلك فإن القاضي المسؤول عن القضية رفض إنهاء الدعوى لصالح جوجل في أغسطس عام 2023، مما دفع جوجل في النهاية للتوافق على بدء إجراءات تسوية هذه الدعوى.
وفي خطوة مثيرة للشكوك، قامت جوجل بتعديلات على سياسة الاستخدام في خاصية التصفح الخفي بعد أسابيع قليلة من الموافقة على تسوية الدعوى، والأمر الأكثر غموضًا هو أن جوجل لم تعلن علانية عن هذه التعديلات الجديدة، بل تم رصدها ونشرها على الإنترنت من قبل أحد المستخدمين فور اكتشافها بالصدفة في تحديث جوجل كروم برقم 122.
التعديلات شملت تغييرًا في العبارة الرئيسية التي تصف خاصية التصفح الخفي، حيث كانت تعطي صورة عامة ومبهمة عن هذه الخاصية، لكن بعد التحديث أصبحت النافذة الخاصة بالتصفح الخفي توضح بشكل واضح أنه قد لا يؤدي استخدام هذه الخاصية إلى عدم جمع بيانات التصفح.
هذه الخطوة تمثل اعترافًا رسميًا من جوجل بأنها قد تقوم بجمع بعض البيانات أثناء تشغيل وضع التصفح الخفي في جوجل كروم، ولكن اعلنت عن ذلك فقط بعد ان تم توجيه اتهامات رسمية لها بخداع المستخدمين بشأن هذه الخاصية.
جوجل تقوم بحذف مليارات السجلات الخاصة بالمستخدمين
منذ بضعة أيام أثار إعلان جوجل عن حذف مليارات السجلات التي تم جمعها من خلال وضع التصفح الخفي في كروم صدمة كبيرة وأثارت نقاشات كثيرة على شبكة الإنترنت، يبدو أن جوجل لم تكن تجمع هذه البيانات فقط، بل كانت تستخدمها أيضا بشكل سري لتحسين استراتيجياتها الإعلانية.
الادعاءات تشير إلى أن جوجل قامت بجمع هذه البيانات منذ إطلاق وضع التصفح الخفي في كروم في عام 2008، واستفادت منها في تصميم الحملات الإعلانية على منصتها جوجل ادسنس التي تعتبر واحدة من أكبر المنصات الإعلانية على الإنترنت.
الدعوى المقدمة تطالب شركة جوجل بتعويض المتضررين من انتهاك الخصوصية، مع تقديرات تشير إلى أن التعويضات قد تتجاوز 5 مليار دولار، مع مطالبة بدفع مبالغ تصل إلى 5000 دولار لكل مستخدم متضرر.
هذه القضية تسلط الضوء على أهمية حماية الخصوصية الشخصية على الإنترنت، وتذكرنا بأنه في هذا العصر الرقمي، يجب أن نكون حذرين ومطلعين على كيفية تعاملنا مع بياناتنا الشخصية، وعلى وعينا بأن جمع البيانات أصبح لعبة تجارية للشركات التقنية.
اقرأ أيضًا: مقارنة بين نسخ ويندوز 11 وأفضل نسخة تناسب استخدامك